كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وَأَمَّا قَوْلُ الْمُعْتَرِضِ: إنَّ اللَّيْلَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْبُلْدَانِ وَالْفُصُولِ فِي التَّقَدُّمِ وَالتَّأَخُّرِ وَالطُّولِ وَالْقِصَرِ. فَيُقَالُ لَهُ: الْجَوَابُ عَنْ هَذَا كَالْجَوَابِ عَنْ قَوْلِك: هَلْ يَخْلُو مِنْهُ الْعَرْشُ أَوْ لَا يَخْلُو مِنْهُ؟ وَذَلِكَ أَنَّهُ إذَا جَازَ أَنَّهُ يَنْزِلُ وَلَا يَخْلُو مِنْهُ الْعَرْشُ؛ فَتَقَدُّمُ النُّزُولِ وَتَأَخُّرُهُ وَطُولُهُ وَقِصَرُهُ كَذَلِكَ؛ بِنَاءً عَلَى أَنَّ هَذَا نُزُولٌ لَا يُقَاسُ بِنُزُولِ الْخَلْقِ. وَجِمَاعُ الْأَمْرِ أَنَّ الْجَوَابَ عَنْ مِثْلِ هَذَا السُّؤَالِ يَكُونُ بِأَنْوَاعِ. (أَحَدُهَا: أَنْ يُبَيِّنَ أَنَّ الْمُنَازِعَ النَّافِيَ يَلْزَمُهُ مِنْ اللَّوَازِمِ مَا هُوَ أَبْعَدُ عَنْ الْمَعْقُولِ الَّذِي يَعْتَرِفُ بِهِ مِمَّا يَلْزَمُ الْمُثْبِتُ فَإِنْ كَانَ مِمَّا يُحْتَجُّ بِهِ مِنْ الْمَعْقُولِ حُجَّةً صَحِيحَةً؛ لَزِمَ بُطْلَانُ النَّفْيِ فَيَلْزَمُ الْإِثْبَاتُ؛ إذْ الْحَقُّ لَا يَخْلُو عَنْ النَّقِيضَيْنِ. وَإِنْ كَانَ بَاطِلًا؛ لَمْ يَبْطُلْ بِهِ الْإِثْبَاتُ فَلَا يُعَارِضُ مَا ثَبَتَ بِالْفِطْرَةِ الْعَقْلِيَّةِ وَالشِّرْعَةِ النَّبَوِيَّةِ وَهَذَا كَمَا إذَا قَالَ: لَوْ كَانَ فَوْقَ الْعَرْشِ لَكَانَ جِسْمًا وَذَلِكَ مُمْتَنِعٌ؛ فَيُقَالُ لَهُ: لِلنَّاسِ هُنَا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ:
مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: هُوَ فَوْقَ الْعَرْشِ وَلَيْسَ بِجِسْمِ.
وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: هُوَ فَوْقَ الْعَرْشِ وَهُوَ جِسْمٌ.
وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: هُوَ فَوْقَ الْعَرْشِ وَلَا أَقُولُ هُوَ جِسْمٌ وَلَا لَيْسَ بِجِسْمِ ثُمَّ مِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ يَسْكُتُ عَنْ هَذَا النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ؛ لِأَنَّ كِلَيْهِمَا بِدْعَةٌ فِي الشَّرْعِ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَفْصِلُ عَنْ مُسَمَّى الْجِسْمِ. فَإِنْ فَسَّرَ بِمَا يَجِبُ تَنْزِيهُ الرَّبِّ عَنْهُ نَفَاهُ وَبَيَّنَ أَنَّ عُلُوَّهُ عَلَى الْعَرْشِ لَا يَسْتَلْزِمُ ذَلِكَ وَإِنْ فَسَّرَ بِمَا يَتَّصِفُ الرَّبُّ بِهِ لَمْ يَنْفِ ذَلِكَ الْمَعْنَى. فَالْجِسْمُ فِي اللُّغَةِ هُوَ الْبَدَنُ وَاَللَّهُ مُنَزَّهٌ عَنْ ذَلِكَ وَأَهْلُ الْكَلَامِ قَدْ يُرِيدُونَ بِالْجِسْمِ مَا هُوَ مُرَكَّبٌ مِنْ الْجَوَاهِرِ الْمُفْرَدَةِ أَوْ مِنْ الْمَادَّةِ وَالصُّورَةِ. وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ يُنَازِعُ فِي كَوْنِ الْأَجْسَامِ الْمَخْلُوقَةِ مُرَكَّبَةٌ مِنْ هَذَا وَهَذَا؛ بَلْ أَكْثَرُ الْعُقَلَاءِ مِنْ بَنِي آدَمَ عِنْدَهُمْ أَنَّ السَّمَوَاتِ لَيْسَتْ مُرَكَّبَةً لَا مِنْ الْجَوَاهِرِ الْمُفْرَدَةِ وَلَا مِنْ الْمَادَّةِ وَالصُّورَةِ؛ فَكَيْفَ يَكُونُ رَبُّ الْعَالَمِينَ مُرَكَّبًا مِنْ هَذَا وَهَذَا؟ فَمَنْ قَالَ: إنَّ اللَّهَ جِسْمٌ وَأَرَادَ بِالْجِسْمِ هَذَا الْمُرَكَّبَ؛ فَهُوَ مُخْطِئٌ فِي ذَلِكَ. وَمَنْ قَصَدَ نَفْيَ هَذَا التَّرْكِيبِ عَنْ اللَّهِ؛ فَقَدْ أَصَابَ فِي نَفْيِهِ عَنْ اللَّهِ لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يَذْكُرَ عِبَارَةً تُبَيِّنُ مَقْصُودَهُ. وَلَفْظُ التَّرْكِيبِ قَدْ يُرَادُ بِهِ أَنَّهُ رَكَّبَهُ مُرَكَّبٍ أَوْ أَنَّهُ كَانَتْ أَجْزَاؤُهُ مُتَفَرِّقَةً فَاجْتَمَعَ أَوْ أَنَّهُ يَقْبَلُ التَّفْرِيقَ وَاَللَّهُ مُنَزَّهٌ عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ.
وَقَدْ يُرَادُ بِلَفْظِ الْجِسْمِ وَالْمُتَحَيِّزِ مَا يُشَارُ إلَيْهِ بِمَعْنَى أَنَّ الْأَيْدِيَ تُرْفَعُ إلَيْهِ فِي الدُّعَاءِ وَأَنَّهُ يُقَالُ: هُوَ هُنَا وَهُنَاكَ وَيُرَادُ بِهِ الْقَائِمُ بِنَفْسِهِ وَيُرَادُ بِهِ الْمَوْجُودُ. وَلَا رَيْبَ أَنَّ اللَّهَ مَوْجُودٌ قَائِمٌ بِنَفْسِهِ وَهُوَ عِنْدَ السَّلَفِ وَأَهْلِ السُّنَّةِ تُرْفَعُ الْأَيْدِي إلَيْهِ فِي الدُّعَاءِ وَهُوَ فَوْقَ الْعَرْشِ. فَإِذَا سَمَّى الْمُسَمِّي مَا يَتَّصِفُ بِهَذِهِ الْمَعَانِي جِسْمًا؛ كَانَ كَتَسْمِيَةِ الْآخَرِ مَا يَتَّصِفُ بِأَنَّهُ حَيٌّ عَالِمٌ قَادِرٌ جِسْمًا وَتَسْمِيَةُ الْآخَرِ مَا لَهُ حَيَاةٌ وَعِلْمٌ وَقُدْرَةٌ جِسْمًا. وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَؤُلَاءِ كُلَّهُمْ يُنَازِعُونَ فِي ثَلَاثِ مَقَامَاتٍ: (أَحَدُهَا أَنَّ تَسْمِيَةَ مَا يَتَّصِفُ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ بِالْجِسْمِ بِدْعَةٌ فِي الشَّرْعِ وَاللُّغَةِ؛ فَلَا أَهْلُ اللُّغَةِ يُسَمُّونَ هَذَا جِسْمًا بَلْ الْجِسْمُ عِنْدَهُمْ هُوَ الْبَدَنُ كَمَا نَقَلَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَئِمَّةِ اللُّغَةِ وَهُوَ مَشْهُورٌ فِي كُتُبِ اللُّغَةِ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ فِي صِحَاحِهِ الْمَشْهُورِ: قَالَ أَبُو زَيْدٍ: الْجِسْمُ الْجَسَدُ وَكَذَلِكَ الْجُسْمَانُ وَالْجُثْمَانُ وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ: الْجِسْمُ وَالْجُثْمَانُ الْجَسَدُ وَالْجُثْمَانُ الشَّخْصُ قَالَ: وَالْأَجْسَمُ الْأَضْخَمُ بِالْبَدَنِ وَقَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: تَجَسَّمْت الْأَمْرَ أَيْ رَكِبْت أَجْسَمَهُ وَجَسِيمَهُ أَيْ مُعْظَمَهُ قَالَ: وَكَذَلِكَ تَجَسَّمْت الرَّجُلَ وَالْجَبَلَ أَيْ رَكِبْت أَجْسَمَهُ. وَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ لَفْظَ الْجِسْمِ فِي مَوْضِعَيْنِ مِنْ الْقُرْآنِ؛ فِي قَوْله تعالى: {وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ} وَفِي قَوْله تعالى: {وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ} وَالْجِسْمُ قَدْ يُفَسَّرُ بِالصِّفَةِ الْقَائِمَةِ بِالْمَحَلِّ وَهُوَ الْقَدْرُ وَالْغِلَظُ كَمَا يُقَالُ هَذَا الثَّوْبُ لَهُ جِسْمٌ وَهَذَا لَيْسَ لَهُ جِسْمٌ أَيْ لَهُ غِلَظٌ وَضَخَامَةٌ بِخِلَافِ هَذَا وَقَدْ يُرَادُ بِالْجِسْمِ نَفْسُ الْغِلَظِ والضخم. وَقَدْ ادَّعَى طَوَائِفُ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ الْنُّفَاةِ أَنَّ الْجِسْمَ فِي اللُّغَةِ هُوَ الْمُؤَلَّفُ الْمُرَكَّبُ وَأَنَّ اسْتِعْمَالَهُمْ لَفْظَ الْجِسْمِ فِي كُلِّ مَا يُشَارُ إلَيْهِ مُوَافِقٌ لِلُّغَةِ؛ قَالُوا: لِأَنَّ كُلَّ مَا يُشَارُ إلَيْهِ؛ فَإِنَّهُ يَتَمَيَّزُ مِنْهُ شَيْءٌ عَنْ شَيْءٍ وَكُلُّ مَا كَانَ كَذَلِكَ؛ فَهُوَ مُرَكَّبٌ مِنْ الْجَوَاهِرِ الْمُنْفَرِدَةِ الَّتِي كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا جُزْءٌ لَا يَتَجَزَّأُ وَلَا يَتَمَيَّزُ مِنْهُ جَانِبٌ عَنْ جَانِبٍ أَوْ مِنْ الْمَادَّةِ وَالصُّورَةِ اللَّذَيْنِ هُمَا جَوْهَرَانِ عَقْلِيَّانِ كَمَا يَقُولُ ذَلِكَ بَعْضُ الْفَلَاسِفَةِ. قَالُوا: وَإِذَا كَانَ هَذَا مُرَكَّبًا مُؤَلَّفًا؛ فَالْجِسْمُ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ هُوَ الْمُؤَلَّفُ الْمُرَكَّبُ بِدَلِيلِ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ: رَجُلٌ جَسِيمٌ وَزَيْدٌ أَجْسَمُ مِنْ عَمْرٍو إذَا كَثُرَ ذَهَابُهُ فِي الْجِهَاتِ وَلَيْسَ يَقْصِدُونَ بِالْمُبَالَغَةِ فِي قَوْلِهِمْ: أَجْسَمُ وَجَسِيمٌ إلَّا كَثْرَةَ الْأَجْزَاءِ الْمُنْضَمَّةِ وَالتَّأْلِيفَ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَقُولُونَ: أَجْسَمُ فِيمَنْ كَثُرَتْ عُلُومُهُ وَقَدْرُهُ وَسَائِرُ تَصَرُّفَاتِهِ وَصِفَاتُهُ غَيْرُ الِاجْتِمَاعِ حَتَّى إذَا كَثُرَ الِاجْتِمَاعُ فِيهِ بِتَزَايُدِ أَجْزَائِهِ قِيلَ: أَجْسَمُ وَرَجُلٌ جَسِيمٌ؛ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُمْ: جَسَّمَ؛ مُفِيدٌ لِلتَّأْلِيفِ. فَهَذَا أَصْلُ قَوْلِ هَؤُلَاءِ الْنُّفَاةِ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَصْلَيْنِ: سَمْعِيٍّ لُغَوِيٍّ وَنَظَرِيٍّ عَقْلِيٍّ فِطْرِيٍّ. أَمَّا السَّمْعِيُّ اللُّغَوِيُّ فَقَوْلُهُمْ:
إنَّ أَهْلَ اللُّغَةِ يُطْلِقُونَ لَفْظَ الْجِسْمِ عَلَى الْمُرَكَّبِ وَاسْتَدَلُّوا عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ: هُوَ أَجْسَمُ إذَا كَانَ أَغْلَظَ وَأَكْثَرَ ذَهَابًا فِي الْجِهَاتِ وَأَنَّ هَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُمْ اعْتَبَرُوا كَثْرَةَ الْأَجْزَاءِ. فَيُقَالُ: أَمَّا الْمُقَدِّمَةُ الْأُولَى وَهُوَ: أَنَّ أَهْلَ اللُّغَةِ يُسَمُّونَ كُلَّ مَا كَانَ لَهُ مِقْدَارٌ بِحَيْثُ يَكُونُ أَكْبَرَ مِنْ غَيْرِهِ أَوْ أَصْغَرَ؛ جِسْمًا؛ فَهَذَا لَا يُوجَدُ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ أَلْبَتَّةَ وَلَا يُمْكِنُ أَحَدٌ أَنْ يَنْقُلَ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ يُسَمُّونَ الْهَوَاءَ الَّذِي بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ جِسْمًا وَلَا يُسَمُّونَ رُوحَ الْإِنْسَانِ جِسْمًا. بَلْ مِنْ الْمَشْهُورِ أَنَّهُمْ يُفَرِّقُونَ بَيْنَ الْجِسْمِ وَالرُّوحِ؛ وَلِهَذَا قَالَ تعالى: {وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ} يَعْنِي أَبْدَانَهُمْ دُونَ أَرْوَاحِهِمْ الْبَاطِنَةِ. وَقَدْ ذَكَرَ نَقَلَةُ اللُّغَةِ أَنَّ الْجِسْمَ عِنْدَهُمْ هُوَ الْجَسَدُ. وَمِنْ الْمَعْرُوفِ فِي اللُّغَةِ أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ يَتَضَمَّنُ الْغِلَظَ وَالْكَثَافَةَ فَلَا يُسَمُّونَ الْأَشْيَاءَ الْقَائِمَةَ بِنَفْسِهَا إذَا كَانَتْ لَطِيفَةً كَالْهَوَاءِ وَرُوحِ الْإِنْسَانِ وَإِنْ كَانَ لِذَلِكَ مِقْدَارٌ يَكُونُ بِهِ بَعْضُهُ أَكْبَرَ مِنْ بَعْضٍ لَكِنْ لَا يُسَمَّى فِي اللُّغَةِ ذَلِكَ جِسْمًا وَلَا يَقُولُونَ فِي زِيَادَةِ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ: هَذَا أَجْسَمُ مِنْ هَذَا وَلَا يَقُولُونَ هَذَا الْمَكَانُ الْوَاسِعُ أَجْسَمُ مِنْ هَذَا الْمَكَانِ الضَّيِّقِ؛ وَإِنْ كَانَ أَكْبَرَ مِنْهُ وَإِنْ كَانَتْ أَجْزَاؤُهُ زَائِدَةً عَلَى أَجْزَائِهِ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِأَنَّهُ مُرَكَّبٌ مِنْ الْأَجْزَاءِ. فَلَيْسَ كُلُّ مَا هُوَ مُرَكَّبٌ عِنْدَهُمْ مِنْ الْأَجْزَاءِ يُسَمَّى جِسْمًا وَلَا يُوجَدُ فِي الْكَلَامِ قَبَضَ جِسْمَهُ وَلَا صَعِدَ بِجِسْمِهِ إلَى السَّمَاءِ وَلَا أَنَّ اللَّهَ يَقْبِضُ أَجْسَامَنَا حَيْثُ يَشَاءُ وَيَرُدُّهَا حَيْثُ شَاءَ: إنَّمَا يُسَمُّونَ ذَلِكَ رُوحًا وَيُفَرِّقُونَ بَيْنَ مُسَمَّى الرُّوحِ وَمُسَمَّى الْجِسْمِ كَمَا يُفَرِّقُونَ بَيْنَ الْبَدَنِ وَالرُّوحِ وَكَمَا يُفَرِّقُونَ بَيْنَ الْجَسَدِ وَالرُّوحِ فَلَا يُطْلِقُونَ لَفْظَ الْجِسْمِ عَلَى الْهَوَاءِ؛ فَلَفْظُ الْجِسْمِ عِنْدَهُمْ يُشْبِهُ لَفْظَ الْجَسَدِ؛ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الْجَسَدُ الْبَدَنُ تَقُولُ فِيهِ تَجَسَّدَ كَمَا تَقُولُ فِي الْجِسْمِ تَجَسَّمَ؛ كَمَا تَقَدَّمَ نَقْلُهُ عَنْ أَئِمَّةِ اللُّغَةِ أَنَّ الْجِسْمَ هُوَ الْجَسَدُ. فَعُلِمَ أَنَّ هَذَيْنِ اللَّفْظَيْنِ مُتَرَادِفَانِ أَوْ قَرِيبٌ مِنْ التَّرَادُفِ؛ وَلِهَذَا يَقُولُونَ لِهَذَا الثَّوْبِ جَسَدٌ؛ كَمَا يَقُولُونَ لَهُ جِسْمٌ إذَا كَانَ غَلِيظًا ثَخِينًا صَفِيقًا وَتَقُولُ الْعُلَمَاءُ النَّجَاسَةُ قَدْ تَكُونُ مستجسدة كَالدَّمِ وَالْمَيْتَةِ وَقَدْ لَا تَكُونُ مستجسدة كَالرُّطُوبَةِ وَيُسَمُّونَ الدَّمَ جَسَدًا كَمَا قَالَ النَّابِغَةُ:
فَلَا لَعَمْرُ الَّذِي قَدْ زُرْته حُجَجًا ** وَمَا أُرِيقَ عَلَى الْأَنْصَابِ مِنْ جَسَدِ

كَمَا يَقُولُونَ: لَهُ جِسْمٌ، فَبَطَلَ مَا ذَكَرُوهُ عَنْ اللُّغَةِ أَنَّ كُلَّ مَا يَتَمَيَّزُ مِنْهُ شَيْءٌ عَنْ شَيْءٍ يُسَمُّونَهُ جِسْمًا. الْمُقَدِّمَةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّهُ لَوْ سُلِّمَ ذَلِكَ فَقَوْلُهُمْ: إنَّ هَذَا جِسْمٌ يُطْلِقُونَهُ عِنْدَ تَزَايُدِ الْأَجْزَاءِ هُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْأَجْسَامَ مُرَكَّبَةٌ مِنْ الْجَوَاهِرِ الْمُنْفَرِدَةِ: وَهَذَا لَوْ قُدِّرَ أَنَّهُ صَحِيحٌ؛ فَأَهْلُ اللُّغَةِ لَمْ يَعْتَبِرُوهُ وَلَا قَالَ أَحَدٌ مِنْهُمْ ذَلِكَ؛ فَعُلِمَ أَنَّهُمْ إنَّمَا لَحَظُوا غِلَظَهُ وَكَثَافَتَهُ. وَأَمَّا كَوْنُهُمْ اعْتَبَرُوا كَثْرَةَ الْأَجْزَاءِ وَقِلَّتَهَا: فَهَذَا لَا يَتَصَوَّرُهُ أَكْثَرُ عُقَلَاءِ بَنِي آدَمَ فَضْلًا عَنْ أَنْ يُنْقَلَ عَنْ أَهْلِ اللُّغَةِ قَاطِبَةً أَنَّهُمْ أَرَادُوا ذَلِكَ بِقَوْلِهِمْ جَسِيمٌ وَأَجْسَمُ. وَالْمَعْنَى الْمَشْهُورُ فِي اللُّغَةِ لَا يَكُونُ مُسَمَّاهُ مَا لَا يَفْهَمُهُ إلَّا بَعْضُ النَّاسِ وَإِثْبَاتُ الْجَوَاهِرِ الْمُنْفَرِدَةِ أَمْرٌ خُصَّ بِهِ بَعْضُ النَّاسِ؛ فَلَا يَكُونُ مُسَمَّى الْجِسْمِ فِي اللُّغَةِ مَا لَا يَعْرِفُهُ إلَّا بَعْضُ النَّاسِ وَهُوَ الْمُرَكَّبُ مِنْ ذَلِكَ. وَأَمَّا الْأَصْلُ الثَّانِي الْعَقْلِيُّ فَقَوْلُهُمْ؛ إنَّ كُلَّ مَا يُشَارُ إلَيْهِ بِأَنَّهُ هُنَا أَوْ هُنَاكَ؛ فَإِنَّهُ مُرَكَّبٌ مِنْ الْجَوَاهِرِ الْمُنْفَرِدَةِ أَوْ مِنْ الْمَادَّةِ وَالصُّورَةِ. وَهَذَا بَحْثٌ عَقْلِيٌّ وَأَكْثَرُ عُقَلَاءِ بَنِي آدَمَ- مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ وَغَيْرِ أَهْلِ الْكَلَامِ- يُنْكِرُونَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مُرَكَّبًا مِنْ الْجَوَاهِرِ الْمُنْفَرِدَةِ أَوْ مِنْ الْمَادَّةِ وَالصُّورَةِ وَإِنْكَارُ ذَلِكَ قَوْلُ ابْنِ كُلَّابٍ وَأَتْبَاعِهِ مِنْ الْكُلَّابِيَة- وَهُوَ إمَامُ الْأَشْعَرِيِّ فِي مَسَائِلِ الصِّفَاتِ- وَهُوَ قَوْلُ الهشامية والنجارية والضرارية وَبَعْضِ الكَرَّامِيَة. وَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَثْبَتُوا الْجَوْهَرَ الْفَرْدَ زَعَمُوا أَنَّا لَا نَعْلَمُ: لَا بِالْحِسِّ وَلَا بِالضَّرُورَةِ أَنَّ اللَّهَ أَبْدَعَ شَيْئًا قَائِمًا بِنَفْسِهِ وَأَنَّ جَمِيعَ مَا نَشْهَدُهُ مَخْلُوقٌ- مِنْ السَّحَابِ وَالْمَطَرِ وَالْحَيَوَانِ وَالنَّبَاتِ وَالْمَعْدِنِ وَبَنِيَّ آدَمَ وَغَيْرِ بَنِي آدَمَ- فَإِنَّ مَا فِيهِ أَنَّهُ أَحْدَثُ أَكْوَانًا فِي الْجَوَاهِرِ الْمُنْفَرِدَةِ كَالْجَمْعِ وَالتَّفْرِيقِ وَالْحَرَكَةِ وَالسُّكُونِ وَأَنْكَرَ هَؤُلَاءِ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ لَمَّا خَلَقَنَا أَحْدَثَ أَبْدَانَنَا قَائِمَةً بِأَنْفُسِهَا أَوْ شَجَرًا وَثَمَرًا أَوْ شَيْئًا آخَرَ قَائِمًا بِنَفْسِهِ وَإِنَّمَا أَحْدَثَ عِنْدَهُمْ أَعْرَاضًا. وَأَمَّا الْجَوَاهِرُ الْمُنْفَرِدَةُ فَلَمْ تَزَلْ مَوْجُودَةً. ثُمَّ مَنْ يَقُولُ: إنَّهَا مُحْدَثَةٌ مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: إنَّهُمْ عَلِمُوا حُدُوثَهَا بِأَنَّهَا لَمْ تَخْلُ مِنْ الْحَوَادِثِ وَمَا لَمْ يَخْلُ مِنْ الْحَوَادِثِ؛ فَهُوَ حَادِثٌ.
قَالُوا: فَبِهَذَا الدَّلِيلِ الْعَقْلِيِّ وَأَمْثَالِهِ عَلِمْنَا أَنَّهُ مَا أَبْدَعَ شَيْئًا قَائِمًا بِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّا نَشْهَدُهُ مِنْ حُلُولِ الْحَوَادِثِ الْمَشْهُودَةِ كَالسَّحَابِ وَالْمَطَرِ. وَهَؤُلَاءِ فِي مَعَادِ الْأَبْدَانِ يَتَكَلَّمُونَ فِيهِ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ: فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ يُفَرِّقُ الْأَجْزَاءَ ثُمَّ يَجْمَعُهَا. وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: يُعْدِمُهَا ثُمَّ يُعِيدُهَا. وَاضْطَرَبُوا هاهنا فِيمَا إذَا أَكَلَ حَيَوَانٌ حَيَوَانًا فَكَيْفَ يُعَادُ؟ وَادَّعَى بَعْضُهُمْ أَنَّ اللَّهَ يُعْدِمُ جَمِيعَ أَجْزَاءِ الْعَالَمِ؛ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: هَذَا مُمْكِنٌ لَا نَعْلَمُ ثُبُوتَهُ وَلَا انْتِفَاءَهُ. ثُمَّ الْمَعَادُ عِنْدَهُمْ يَفْتَقِرُ أَنْ يَبْتَدِئَ هَذِهِ الْجَوَاهِرَ وَالْجَهْمُ بْنُ صَفْوَانَ مِنْهُمْ يَقُولُ بِعَدَمِهَا بَعْدَ ذَلِكَ وَيَقُولُ بِفَنَاءِ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ لِامْتِنَاعِ دَوَامِ الْحَوَادِثِ عِنْدَهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ كَامْتِنَاعِ دَوَامِهَا فِي الْمَاضِي وَأَبُو الهذيل الْعَلَّافُ يَقُولُ بِعَدَمِ الْحَرَكَاتِ وَهَؤُلَاءِ يُنْكِرُونَ اسْتِحَالَةَ الْأَجْسَامِ بَعْضِهَا إلَى بَعْضٍ أَوْ انْقِلَابَ جِنْسٍ إلَى جِنْسٍ بَلْ الْجَوَاهِرُ عِنْدَهُمْ مُتَمَاثِلَةٌ وَالْأَجْسَامُ مُرَكَّبَةٌ مِنْهَا وَمَا ثَمَّ إلَّا تَغْيِيرُ التَّرْكِيبِ فَقَطْ لَا انْقِلَابَ وَلَا اسْتِحَالَةَ. وَلَا رَيْبَ أَنَّ جُمْهُورَ الْعُقَلَاءِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَغَيْرِهِمْ عَلَى إنْكَارِ هَذَا وَالْأَطِبَّاءُ وَالْفُقَهَاءُ مِمَّنْ يَقُولُ بِاسْتِحَالَةِ الْأَجْسَامِ بَعْضِهَا إلَى بَعْضٍ كَمَا هُوَ مَوْجُودٌ فِي كُتُبِهِمْ. وَالْأَجْسَامُ عِنْدَهُمْ لَيْسَتْ مُتَمَاثِلَةً؛ بَلْ الْمَاءُ يُخَالِفُ الْهَوَاءَ وَالْهَوَاءُ يُخَالِفُ التُّرَابَ وَأَبْدَانُ النَّاسِ تُخَالِفُ النَّبَاتَ؛ وَلِهَذَا صَارَتْ الْنُّفَاةِ إذَا أَثْبَتَ أَحَدٌ شَيْئًا مِنْ الصِّفَاتِ؛ كَانَ ذَلِكَ مُسْتَلْزِمًا لَأَنْ يَكُونَ الْمَوْصُوفُ عِنْدَهُمْ جِسْمًا- وَعِنْدَهُمْ الْأَجْسَامُ مُتَمَاثِلَةً- فَصَارُوا يُسَمُّونَهُ مُشَبَّهًا بِهَذِهِ الْمُقَدِّمَاتِ الَّتِي تُلْزِمُهُمْ مِثْلُ مَا أَلْزَمُوهُ لِغَيْرِهِمْ وَهِيَ مُتَنَاقِضَةٌ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَنْتَظِمَ مِنْهَا قَوْلٌ صَحِيحٌ وَكُلُّهَا مُقَدِّمَاتٌ مَمْنُوعَةٌ عِنْدَ جَمَاهِيرِ الْعُقَلَاءِ وَفِيهَا مِنْ تَغْيِيرِ اللُّغَةِ وَالْمَعْقُولِ مَا دَخَلَ بِسَبَبِ هَذِهِ الْأَغَالِيطِ وَالشُّبُهَاتِ حَتَّى يَبْقَى الرَّجُلُ حَائِرًا لَا يَهُونُ عَلَيْهِ إبْطَالُ عَقْلِهِ وَدِينِهِ وَالْخُرُوجُ عَنْ الْإِيمَانِ وَالْقُرْآنِ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ مُتَطَابِقٌ عَلَى إثْبَاتِ الصِّفَاتِ. وَلَا يَهُونُ عَلَيْهِ الْتِزَامُ مَا يَلْزَمُونَهُ مِنْ كَوْنِ الرَّبِّ مُرَكَّبًا مِنْ الْأَجْزَاءِ وَمُمَاثِلًا لِلْمَخْلُوقَاتِ؛ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ أَيْضًا بُطْلَانَ هَذَا وَإِنَّ الرَّبَّ عَزَّ وَجَلَّ يَجِبُ تَنْزِيهُهُ عَنْ هَذَا؛ فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ أَحَدٌ صَمَدٌ والْأَحَدُ يَنْفِي التَّمْثِيلَ والصَّمَدُ يَنْفِي أَنْ يَكُونَ قَابِلًا لِلتَّفْرِيقِ وَالتَّقْسِيمِ وَالْبَعْضِيَّةِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فَضْلًا عَنْ كَوْنِهِ مُؤَلَّفًا مُرَكَّبًا: رُكِّبَ وَأُلِّفَ مِنْ الْأَجْزَاءِ؛ فَيَفْهَمُونَ مَنْ يُخَاطِبُونَ أَنَّ مَا وَصَفَ بِهِ الرَّبَّ نَفْسَهُ لَا يُعْقَلُ إلَّا فِي بَدَنٍ مِثْلِ بَدَنِ الْإِنْسَانِ بَلْ وَقَدْ يُصَرِّحُونَ بِذَلِكَ وَيَقُولُونَ: الْكَلَامُ لَا يَكُونُ إلَّا مِنْ صُورَةٍ مُرَكَّبَةٍ مِثْلُ فَمِ الْإِنْسَانِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يَدْعُونَهُ. وَإِذَا قَالَ الْنُّفَاةِ لَهُمْ: مَتَى قُلْتُمْ إنَّهُ يَرَى؛ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ مُرَكَّبًا مُؤَلَّفًا؛ لِأَنَّ الْمَرْئِيَّ لَا يَكُونُ إلَّا بِجِهَةِ مِنْ الرَّائِي وَمَا يَكُونُ بِجِهَةِ مِنْ الرَّائِي لَا يَكُونُ إلَّا جِسْمًا وَالْجِسْمُ مُؤَلَّفٌ مُرَكَّبٌ مِنْ الْأَجْزَاءِ. أَوْ قَالُوا: إنَّ الرَّبَّ إذَا تَكَلَّمَ بِالْقُرْآنِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْكَلَامِ؛ لَزِمَ ذَلِكَ وَإِذَا كَانَ فَوْقَ الْعَرْشِ؛ لَزِمَ ذَلِكَ وَصَارَ الْمُسْلِمُ الْعَارِفُ بِمَا قَالَهُ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ يُرَى فِي الْآخِرَةِ لِمَا تَوَاتَرَ عِنْدَهُ مِنْ الْأَخْبَارِ عَنْ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ وَكَذَلِكَ يَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ تَكَلَّمَ بِالْقُرْآنِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْكَلَامِ وَيَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ فَوْقَ الْعَرْشِ بِمَا تَوَاتَرَ عِنْدَهُ عَنْ الرَّسُولِ بِمَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَعَ مَا يُوَافِقُ ذَلِكَ مِنْ الْقَضَايَا الْفِطْرِيَّةِ الَّتِي خَلَقَ اللَّهُ عَلَيْهَا عِبَادَهُ. وَإِذَا قَالُوا لَهُ:- هَذَا يَسْتَلْزِمُ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ مُرَكَّبًا مِنْ الْأَجْزَاءِ الْمُنْفَرِدَةِ وَالْمُرَكَّبُ لابد لَهُ مِنْ مُرَكِّبٍ؛ فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ مُحْدِثًا؛ إذْ الْمُرَكَّبُ يَفْتَقِرُ إلَى أَجْزَائِهِ وَأَجْزَاؤُهُ تَكُونُ غَيْرَهُ وَمَا افْتَقَرَ إلَى غَيْرِهِ؛ لَمْ يَكُنْ غَنِيًّا وَاجِبَ الْوُجُودِ بِنَفْسِهِ- حَيَّرُوهُ وَشَكَّكُوهُ إنْ لَمْ يَجْعَلُوهُ مُكَذِّبًا لِمَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ مُرْتَدًّا عَنْ بَعْضِ مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الْإِيمَانِ مَعَ أَنَّ تَشَكُّكَهُ وَحَيْرَتَهُ تَقْدَحُ فِي إيمَانِهِ وَدِينِهِ وَعِلْمِهِ وَعَقْلِهِ. فَيُقَالُ لَهُمْ: أَمَّا كَوْنُ الرَّبِّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مُرَكَّبًا رَكَّبَهُ غَيْرُهُ. فَهَذَا مِنْ أَظْهَرِ الْأُمُورِ فَسَادًا وَهَذَا مَعْلُومٌ فَسَادُهُ بِضَرُورَةِ الْعَقْلِ. وَمَنْ قَالَ هَذَا فَهُوَ مِنْ أَكْفَرِ النَّاسِ وَأَجْهَلِهِمْ وَأَشَدِّهِمْ مُحَارَبَةً لِلَّهِ وَلَيْسَ فِي الطَّوَائِفِ الْمَشْهُورِينَ مَنْ يَقُولُ بِهَذَا. وَكَذَلِكَ إذَا قِيلَ: هُوَ مُؤَلَّفٌ أَوْ مُرَكَّبٌ- بِمَعْنَى أَنَّهُ كَانَتْ أَجْزَاؤُهُ مُتَفَرِّقَةً فَجَمَعَ بَيْنَهَا كَمَا يَجْمَعُ بَيْنَ أَجْزَاءِ الْمُرَكَّبَاتِ مِنْ الْأَطْعِمَةِ وَالْأَدْوِيَةِ وَالثِّيَابِ وَالْأَبْنِيَةِ- فَهَذَا التَّرْكِيبُ مَنْ اعْتَقَدَهُ فِي اللَّهِ؛ فَهُوَ مِنْ أَكْفَرِ النَّاسِ وَأَضَلِّهِمْ؛ وَلَمْ يَعْتَقِدْهُ أَحَدٌ مِنْ الطَّوَائِفِ الْمَشْهُورَةِ فِي الْأُمَّةِ. بَلْ أَكْثَرُ الْعُقَلَاءِ عِنْدَهُمْ أَنَّ مَخْلُوقَاتِ الرَّبِّ لَيْسَتْ مُرَكَّبَةً هَذَا التَّرْكِيبَ وَإِنَّمَا يَقُولُ بِهَذَا مَنْ يُثْبِتُ الْجَوَاهِرَ الْمُنْفَرِدَةَ.